البنك المركزي الأوروبي يقرر خفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ 5 سنوات

 


في خطوة تعكس تحولًا جوهريًا في السياسة النقدية لأوروبا، أقدم البنك المركزي الأوروبي على خفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ خمس سنوات، مُستجيبًا لتراجع التضخم وتنامي مؤشرات التعافي الاقتصادي. هذا القرار، رغم كونه متوقعًا في أوساط الأسواق، يحمل دلالات عميقة على مسار الاقتصاد الأوروبي والعالمي، وسط مخاوف من تبايُن تأثيره بين الدول الأعضاء وتحديات ما بعد التيسير النقدي.

جاء الخفض البالغ 25 نقطة أساس بعد مسار طويل من التشديد النقدي الذي بدأه البنك عام 2022 لمواجهة تضخم قياسي تجاوز 10%. وانخفاض التضخم إلى 2.4% في مايو — بالقرب من المستوى المستهدف — أعطى البنك المركزي مساحةً للتنفس، رغم تحذيرات بعض المحافظين من "المخاطر التصاعدية" لأسعار الطاقة بسبب الأزمات الجيوسياسية.

 تصريح كريستين لاغارد أكد على نهج حذر، حيث أشارت إلى أن "هذا ليس التزامًا بمسار خفض متسارع"، مما يترك الباب مفتوحًا لتعديل السياسة حسب البيانات المستقبلية.

على صعيد الأسواق، ارتفعت مؤشرات "يورو ستوكس 50" و"داكس" الألماني بأكثر من 1.5%، بينما تراجع اليورو أمام الدولار بنسبة 0.7%، وهو رد فعل نموذجي لسياسة تيسيرية، لاحظ المتداولون أن الأسواق قد "خصمت" الخفض مسبقًا، مما قلل من حدة التقلبات. 

رأى محللو "يو بي إس" أن القرار "اعتراف ضمني بصلابة الاقتصاد الأوروبي"، بينما حذر "دويتشه بنك" من أن "أي صدمة في الطاقة أو تأجج للنزاعات التجارية قد تجبر البنك على التوقف أو حتى العكس"و رحب اتحاد الصناعات الأوروبية بالخطوة، مشيرًا إلى أنها "ستخفف أعباء الديون على الشركات"، لكن قطاع البنوك الاحتياطية عبر عن قلقه من ضغط هوامر الربح مع انخفاض عوائد القروض.

من المتوقع أن تنخفض تكلفة القروض العقارية والشركات، مما قد يُنعش الطلب في قطاعات مثل الإسكان والبنية التحتية، لكن إذا تبين أن الخفض سابق لأوانه خاصة مع ارتفاع الأجور بنسبة 4.7% سنويًا — فقد يعيد التضخم الارتفاع، مما يُعقّد سياسة البنك دول مثل ألمانيا وفرنسا قد تستفيد أكثر من دول الجنوب (إيطاليا، إسبانيا) التي لا تزال تعاني من ديون عامة مرتفعة.

يضع هذا القرار البنك المركزي الأوروبي في مسار مختلف عن نظيره الأمريكي (الفيدرالي)، الذي يُرجح تأجيل خفض الأسرار حتى الربع الأخير من 2024 بسبب قوة الاقتصاد الأمريكين، هذا التفاوت قد يُعمّق فجوة العوائد بين السندات الأوروبية والأمريكية، جاذبًا مزيدًا من تدفقات رأس المال إلى الأخيرة.

القرار، رغم رمزيته، يظل محفوفًا بالمخاطر. فبينما يُعتبر خطوة ضرورية لدعم النمو، إلا أن تعقيدات المشهد العالمي — من حروب تجارية إلى اضطرابات في سلاسل التوريد — تجعل أي التزام بمسار تيسيري طويل الأجل "مشروطًا ببيانات لا ترحم"، كما وصفها أحد كبار الاقتصاديين في "باركليز".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال