تصعيد جديد في الحرب التجارية: تكتيك يضاعف الرسوم المتحركة على الصلب في الصين



شهدت الساحة الاقتصادية العالمية في بداية يونيو 2025 تصاعداً حاداً في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، بعد إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب الصينية من 25% إلى 50%، هذا القرار المفاجئ جاء في وقت تحاول فيه الأسواق الدولية استعادة توازنها وسط توقعات بتباطؤ اقتصادي عالمي، مما أثار سلسلة من ردود الفعل المتباينة بين المستثمرين، الشركات، وصناع القرار السياسي والاقتصادي في مختلف أنحاء العالم.

الخطوة التي اتخذها البيت الأبيض لم تكن بمعزل عن تطورات سابقة في ملف العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبكين، بل جاءت ضمن سلسلة من الإجراءات الحمائية التي يسعى ترامب من خلالها إلى إعادة بناء قاعدة التصنيع الأمريكية، التي يزعم أنها تضررت بفعل سنوات من السياسات التجارية غير المتكافئة مع الصين، إلا أن توقيت القرار، الذي جاء في ظل مؤشرات على تحسن نسبي في أداء الأسواق الأمريكية، أثار تساؤلات كبيرة حول جدواه، خاصة مع احتمالية أن ترد الصين بخطوات انتقامية قد تعمق الفجوة بين أكبر اقتصادين في العالم.

حيث قال جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك JPMorgan Chase، عن قلقه من هذه الإجراءات، وقال في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الأمريكية: "لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن الصين ستتنازل بهذه السهولة

إنهم ليسوا خائفين كما يظن البعض، بل لديهم خططهم طويلة الأمد، والرد على هذه الرسوم لن يتأخر كثيرًا". وأوضح ديمون أن استمرار هذا النهج التصعيدي قد يُعرّض مكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية للخطر، خاصة في ظل مساعي بعض القوى الاقتصادية، وعلى رأسها الصين وروسيا، لتقليل الاعتماد على الدولار في معاملاتهم التجارية والمالية.

من جانبها، أبدت وزارة التجارة الصينية استياءها الشديد من الخطوة الأمريكية، ووصفتها بـ"العدائية وغير المبررة"، مؤكدة أن بكين تحتفظ بحقها الكامل في اتخاذ "إجراءات ضرورية للدفاع عن مصالحها الوطنية والاقتصادية".


 وأضاف البيان الرسمي الصادر عن الوزارة أن "الولايات المتحدة تخلّ بشكل سافر بمبادئ التجارة الحرة، وتوجه ضربة مباشرة إلى جهود الاستقرار العالمي، في وقت يحتاج فيه العالم إلى تعاون لا إلى انقسام".

ردود الفعل داخل الكونغرس الأمريكي بدت منقسمه حيث رحب بعض الجمهوريين بالقرار باعتباره خطوة لحماية الصناعة الوطنية من الإغراق الصيني، بينما عبّر العديد من الديمقراطيين عن خشيتهم من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة الأسعار للمستهلكين الأمريكيين وتضر بالمصدرين الأمريكيين الذين قد يواجهون إجراءات انتقامية في الأسواق الآسيوية.

وفي وول ستريت، سادت حالة من القلق والارتباك خلال أولى جلسات التداول في يونيو، حيث شهدت مؤشرات الأسهم تقلبات حادة، وسط مخاوف من تراجع أرباح الشركات الكبرى المتعاملة مع السوق الصينية، أسهم شركات التكنولوجيا، التي تعتمد بشكل كبير على سلاسل الإمداد القادمة من الصين، كانت الأكثر تأثراً، وسجلت انخفاضات واضحة بعد إعلان القرار الجمركي.

المحللون الاقتصاديون في كبرى المؤسسات المالية العالمية أبدوا كذلك حذرهم من تبعات الخطوة الأمريكية، ففي تقرير لبنك غولدمان ساكس، أشار محللوه إلى أن "التحركات الأحادية الجانب في السياسة التجارية قد تقود إلى سلسلة من الردود الانتقامية، وهو ما يعيد سيناريو حرب الرسوم الذي شهدته الأسواق عام 2018، لكن في بيئة اقتصادية أكثر هشاشة اليوم". مضيفا التقرير أن هذه السياسات قد تساهم في إضعاف الثقة بين الشركاء التجاريين وتقود إلى تراجع معدلات الاستثمار عبر الحدود.

و أشارت تقارير صينية إلى أن بكين قد تلجأ إلى تقليص صادرات المعادن النادرة للولايات المتحدة، والتي تُستخدم في تصنيع الإلكترونيات والسيارات الكهربائية، وهو ما سيضع ضغوطاً إضافية على سلاسل الإمداد الأمريكية، كما تُدرس إمكانية فرض قيود جديدة على شركات أمريكية تعمل في السوق الصينية، الأمر الذي من شأنه تعميق الأزمة التجارية ورفع تكلفة الخلاف على الطرفين.

الشركات الصناعية الأمريكية، خاصة تلك المعتمدة على واردات الصلب، لم تخفِ قلقها من انعكاسات القرار الجمركي على تكاليف الإنتاج.

 وأوضح اتحاد الصناعات المعدنية في بيان له أن "الرسوم المرتفعة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام داخل السوق المحلي، ما يؤثر على القدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية".

في المقابل، يرى مؤيدو القرار أنه خطوة ضرورية لتقليص العجز التجاري المتراكم مع الصين، معتبرين أن واشنطن تتخذ "موقفاً سيادياً جريئاً" في مواجهة ممارسات غير عادلة، لا سيما في مجالات دعم الشركات المملوكة للدولة، ونقل التكنولوجيا القسري، والتلاعب بالعملة.

ومع غياب مؤشرات واضحة على قرب التوصل إلى اتفاق تجاري جديد بين واشنطن وبكين، تزداد المخاوف من أن تؤثر هذه المواجهة الاقتصادية الكبرى على الاستقرار المالي العالمي، خاصة في ظل تباطؤ اقتصادي مرتقب وتذبذب في أسعار السلع الرئيسية مثل النفط والمعادن الصناعية. 

ويتوقع محللون أن يكون لقرار ترامب تأثير غير مباشر أيضاً على الأسواق الناشئة، التي قد تتعرض لضغوط إضافية نتيجة تراجع شهية المستثمرين للمخاطرة، وازدياد التدفقات نحو الأصول الآمنة مثل الذهب والسندات الأمريكية.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال