شهدت أسواق الطاقة العالمية ارتفاعاً حاداً في أسعار النفط الخام، حيث تجاوز سعر خام برنت حاجز 95 دولاراً للبرميل، وذلك في أعقاب قرار مفاجئ صدر عن تحالف أوبك+ يقضي بـ تخفيضات إنتاج إضافية لمكافحة حالة عدم اليقين في السوق وتباطؤ نمو الطلب المتوقع من الصين. أثار هذا القرار قلقاً واسعاً بين الدول المستوردة للنفط، التي تواجه بالفعل تحديات تضخمية كبيرة وضغوطاً متزايدة على ميزانيات مواطنيها بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والنقل.
وقد ظهر التأثير الفوري للقرار على أسواق المستهلكين الرئيسيين. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، ارتفع متوسط سعر غالون البنزين إلى مستويات قياسية جديدة في بعض الولايات، مما يزيد من الضغط على إدارة بايدن التي تسعى جاهدة للسيطرة على التضخم قبل الانتخابات القادمة.
وتشير بيانات وزارة الطاقة إلى أن ارتفاع أسعار النفط يهدد بتقويض جهود الاحتياطي الفيدرالي في خفض التضخم الكلي. ويقول جون ديفيس، رئيس اتحاد النقل بالشاحنات في تكساس: "كل زيادة في سعر الديزل تترجم مباشرة إلى زيادة في تكلفة البضائع على رفوف المتاجر. نحن أمام تحدٍ خطير يهدد سلاسة الحركة التجارية." أما آسيا وأوروبا، فقد تضررت الاقتصادات الآسيوية والأوروبية بشكل خاص كونها مستورداً صافياً للنفط. في اليابان وكوريا الجنوبية،
وأدى ارتفاع تكلفة الطاقة إلى إضعاف العملات المحلية بشكل أكبر، مما يزيد من فاتورة الاستيراد. وفي أوروبا، حذر البنك المركزي الأوروبي من أن هذا الارتفاع سيصعب من مهمته في تحقيق "الهبوط الناعم" للاقتصاد، حيث يزيد من احتمالية حدوث ركود تضخمي. وأشار تقرير صادر عن مركز الأبحاث الطاقية في لندن إلى أن اعتماد القارة على الطاقة المستوردة يجعلها "رهينة" لقرارات منتجي النفط.
وعزا وزير الطاقة السعودي، في تصريحات له، هذا التخفيض إلى "الحاجة للحفاظ على استقرار السوق ومواجهة التوقعات المتشائمة حول الطلب العالمي، خاصة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وتباطؤ التعافي في بعض الاقتصادات الكبرى". وشدد على أن القرار يهدف إلى ضمان استثمارات كافية في قطاع الطاقة على المدى الطويل.
وعلق الدكتور نبيل العبيدي، خبير اقتصادي في شؤون الطاقة، قائلاً: "أوبك+ تحركت بشكل استباقي لحماية إيراداتها، لكن هذه الخطوة قد تسرع من التضخم العالمي، مما يجبر البنوك المركزية على اتخاذ قرارات أصعب بشأن أسعار الفائدة."
ردًا على التحديات، أعلنت الحكومات في عدة دول عن إجراءات مضادة. فقد بدأت الهند في استكشاف خيارات لزيادة وارداتها من الطاقة بأسعار مخفضة عبر مفاوضات ثنائية، بينما أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لتسريع الاستثمار في الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح) لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي. كما دعا الرئيس الفرنسي إلى قمة طارئة لمناقشة آليات تنسيق دولية لضمان استقرار إمدادات النفط في مواجهة التقلبات الجيوسياسية.
يرى الخبراء أن الحل المستدام يكمن في تنويع مصادر الطاقة، وتحسين كفاءة استخدامها، وتعزيز الأمن الطاقي من خلال تخزين الاحتياطيات. وتدعو التوصيات إلى تبني سياسات حكومية لدعم التحول الأخضر بقوة، وتجنب الاعتماد المفرط على سوق واحدة أو مورد واحد لتجنب الوقوع تحت رحمة التقلبات الجيوسياسية. في النهاية، يتطلب الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي العالمي سياسات طاقية متوازنة تضمن توفير الإمدادات بأسعار عادلة، مع الاستعداد للتعامل مع التحديات التي تفرضها استراتيجيات المنتجين الكبار والمنافسات الجيوسياسية.