تشير التوقعات الاقتصادية العالمية الأخيرة، الصادرة عن صندوق النقد الدولي ومنظمات بحثية كبرى، إلى تزايد مخاطر الدخول في فترة من الركود التضخمي (Stagflation)، وهو سيناريو اقتصادي صعب يجمع بين تباطؤ النمو الاقتصادي (أو الركود) واستمرار التضخم المرتفع. أثارت هذه التوقعات قلقاً عميقاً في الاقتصادات المتقدمة، حيث يجد صانعو السياسات أنفسهم محصورين بين خيارين صعبين: مكافحة التضخم عبر رفع الفائدة والمخاطرة بحدوث ركود عميق، أو دعم النمو والمخاطرة باستمرار ارتفاع الأسعار.
يعود هذا التهديد المزدوج إلى عدة عوامل متراكمة. أولاً، استمرار صدمات الإمداد الخارجية، مثل ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأولية بسبب التوترات الجيوسياسية، مما يرفع تكاليف الإنتاج دون زيادة في الطلب الحقيقي. ثانياً، السياسات النقدية التي بدأت متأخرة في مكافحة التضخم بعد سنوات من التيسير الكمي. وقد ظهرت المؤشرات واضحة في مناطق مثل:
في الولايات المتحدة الأمريكية، أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأخيرة تراجعاً ملموساً في وتيرة النمو، بينما لا يزال مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) يرتفع، خاصة في قطاع الخدمات. هذا المزيج أجبر الاحتياطي الفيدرالي على الاستمرار في مسار تشديد السياسة النقدية. ويقول أحد كبار الاقتصاديين في واشنطن: "نحن في مرحلة لم نشهدها منذ السبعينيات؛ التضخم لا يتباطأ بالقدر الكافي، والنمو يختنق. لم يعد الأمر يتعلق بهبوط ناعم، بل بهبوط صعب أو ركود تضخمي."
أما في منطقة اليورو، فالوضع أكثر حساسية بسبب الاعتماد الكبير على الطاقة المستوردة. أدت أزمة الطاقة السابقة إلى ارتفاع حاد في فواتير الشركات والأسر، مما ضغط على هوامش الربح وأضعف القوة الشرائية، وبالتالي تباطأ النمو بشكل حاد في دول مثل ألمانيا. البنك المركزي الأوروبي يواجه تحدياً إضافياً يتمثل في التباين الاقتصادي بين دول المنطقة؛ فالتشديد النقدي الضروري لمكافحة التضخم قد يزيد من صعوبات الاقتراض على الدول الأقل ثراءً.
ردًا على هذه الأزمة المعقدة، اتجهت الحكومات نحو مزيج من الأدوات النقدية والمالية. تواصل البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة لخفض الطلب وتثبيت توقعات التضخم، بينما تسعى الحكومات لتبني إجراءات مالية مستهدفة (Targeted Fiscal Measures) لدعم الأسر والشركات الأكثر تضرراً من ارتفاع تكاليف المعيشة والطاقة، بدلاً من التحفيز العام الذي قد يزيد من التضخم. كما زادت الدول من استثماراتها في أمن الطاقة والبنية التحتية المحلية للحد من تأثير صدمات الإمداد الخارجية مستقبلاً.
يدعو الخبراء إلى ضرورة وضع سياسات هيكلية بعيدة المدى لمكافحة الركود التضخمي، بما في ذلك زيادة الاستثمار في الإنتاجية والتعليم وتطوير سلاسل إمداد محلية أكثر مرونة. ويشددون على أن الاعتماد على الأدوات النقدية وحدها لن يكون كافياً. في النهاية، يتطلب التغلب على شبح الركود التضخمي تعاوناً دولياً لضمان استقرار أسواق الطاقة والسلع الأولية، واتخاذ قرارات سياسية شجاعة توازن بين الحاجة لضبط الأسعار والحفاظ على وظائف المواطنين ونمو اقتصاداتهم.
هل ترغب في تقرير اقتصادي يركز على تأثير هذه البيئة الاقتصادية الصعبة على أسواق العمل العالمية؟