في ظل الضغوط العالمية المتزايدة للحد من الانبعاثات الكربونية، شهدت دول الخليج في السنوات الأخيرة تحولات حقيقية في توجهاتها نحو تبني الطاقة المتجددة، محاولةً الابتعاد عن الاعتماد التقليدي على النفط والغاز، هذه الخطوة لم تعد خيارًا بل ضرورة اقتصادية وبيئية تستجيب لتحديات العصر.
المملكة العربية السعودية تصدرت المشهد من خلال إعلان مبادرة "السعودية الخضراء" التي تسعى إلى توليد نصف احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول 2030، إضافة إلى مشاريع عملاقة في الطاقة الشمسية والرياح،في مؤتمر دولي عقد مؤخرًا، قال الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي: "نحن نؤمن بأن مستقبل الطاقة في العالم هو الأخضر، والاستثمار في هذا القطاع يعزز مكانة المملكة اقتصادياً وبيئياً".
الإمارات لم تكن أقل حماسًا، إذ أعلنت عن استثمارات ضخمة في مجالات الطاقة النووية السلمية، والطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر، معالي مريم المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية، أوضحت في حديثها أن "الاستثمار في الطاقة النظيفة لا يحمي بيئتنا فقط، بل يشكل رافعة اقتصادية حيوية تسهم في خلق وظائف جديدة وتعزيز الابتكار".
قطر والكويت ولباقي دول مجلس التعاون خطط طموحة لتطوير البنية التحتية للطاقة النظيفة، وتوفير التمويل المناسب للمشاريع البيئية، مع التركيز على بناء كوادر بشرية متخصصة، ورغم التحديات التقنية والمالية، يعكس حجم المشاريع التي تم الإعلان عنها جدية المنطقة في قيادة التحول نحو اقتصاد مستدام.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن الطريق ما زال محفوفًا بالتحديات، فالدعم الحكومي وحده لا يكفي، إذ يجب توفير بيئة تشريعية محفزة للاستثمارات الخاصة، وتطوير برامج تدريبية متخصصة لتعزيز الكفاءات الوطنية، فضلاً عن تبني تقنيات متقدمة لتحسين كفاءة الطاقة.
في هذا السياق، قال الدكتور جمال التميمي، خبير الطاقة بجامعة الملك سعود: "التحول إلى الطاقة المتجددة يتطلب جهودًا مشتركة بين القطاعين العام والخاص، واستراتيجيات واضحة تدمج الابتكار والاستدامة مع حماية البيئة."
أما على صعيد ردود فعل المواطنين، فقد أبدى العديد منهم تفاؤلًا حذرًا، مؤكدين أن هذه المشاريع ستوفر فرص عمل جديدة وتخفض من تكاليف الطاقة على المدى الطويل، بينما طالب آخرون بضرورة ضمان شفافية أكبر في تنفيذ المشاريع ومتابعة تأثيرها البيئي والاجتماعي.
بينما تستعد دول الخليج لمواجهة تحديات الاقتصاد الأخضر، يبدو واضحًا أن الطاقة المتجددة ستلعب دورًا محوريًا في تشكيل مستقبلها الاقتصادي، مع الحفاظ على مكانتها كإحدى أهم مناطق العالم في سوق الطاقة العالمية.