بدأت أسعار السلع والخدمات في دول الخليج ترتفع بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، ما أثار قلقًا واسعًا بين المستهلكين الذين يواجهون ضغوطًا متزايدة على ميزانياتهم وسط ارتفاع تكاليف المعيشة. تأتي هذه الزيادات في ظل بيئة اقتصادية عالمية معقدة تتميز بتقلبات أسعار الطاقة، اضطرابات سلاسل الإمداد، والتحديات التضخمية التي تواجهها معظم دول العالم.
في الإمارات، كشفت بيانات الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 5.5% خلال الربع الأول من 2025 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وكانت المواد الغذائية والمشروبات من أكثر القطاعات تأثرًا، حيث شهدت أسعارها زيادة ملحوظة دفعت الأسر إلى تقليل استهلاكها أو البحث عن بدائل أقل تكلفة. تقول نورة الأحمد، ربة منزل من دبي: "نشعر بضغط كبير في ميزانية المنزل، خاصة بعد ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه، وصار لازم نخطط أفضل لمشترياتنا".
أما في السعودية، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 4.7% في الربع الأول من 2025، وفقًا للهيئة العامة للإحصاء. وعزا خالد السالم، الخبير الاقتصادي من الرياض، هذا الارتفاع إلى عوامل عدة، منها تأثيرات التضخم العالمي، تقلبات أسعار الطاقة، بالإضافة إلى عوامل محلية مثل زيادة الطلب على السلع والخدمات بعد التعافي من جائحة كورونا. وأضاف السالم: "الزيادة في أسعار السلع الأساسية، خصوصًا اللحوم والحبوب، تؤثر بشكل مباشر على الطبقة المتوسطة والدنيا، ما يخلق تحديًا للحكومة في تحقيق التوازن بين ضبط الأسعار وتحفيز النمو".
في قطر والكويت، ارتفعت أسعار السلع والخدمات بوتيرة أقل نسبياً، لكنها تبقى ملموسة في بعض القطاعات مثل الإيجارات والنقل. وأوضح الدكتور فيصل العتيبي، أستاذ الاقتصاد في جامعة قطر، أن "التضخم في دول الخليج مرتبط بشكل وثيق بأسعار الطاقة والسلع المستوردة، مما يجعل الأسواق عرضة لتقلبات خارجية". وأكد أن تنويع مصادر التموين وتعزيز الإنتاج المحلي من أهم الحلول لتخفيف هذه الضغوط.
ردًا على هذه التحديات، قامت حكومات دول الخليج بإطلاق حزم دعم وتمويل موجهة، تضمنت دعم المواد الغذائية الأساسية، مراقبة الأسواق لمنع الاحتكار، وبرامج لتعزيز قدرة الأسر الأكثر تضررًا على مواجهة الارتفاعات. في هذا السياق، صرح معالي وزير المالية الإماراتي خلال مؤتمر صحفي: "نحن ملتزمون بحماية المواطنين من تأثيرات التضخم ونعمل على تنفيذ إجراءات فعالة لضبط الأسعار وتأمين السلع الضرورية بأسعار مناسبة".
كما أعلنت السعودية عن تكثيف الجهود الرقابية على الأسواق، وتحفيز القطاع الخاص على زيادة المعروض من السلع والخدمات، بالإضافة إلى دعم مشاريع الإنتاج المحلي. وأكد وزير التجارة السعودي أن "استقرار الأسعار هو أولوية وطنية، ونستخدم كافة الأدوات المتاحة لضمان توفير احتياجات المواطنين بأسعار عادلة".
تأثيرات التضخم امتدت لتشمل قطاعات متعددة، حيث سجلت أسعار السكن ارتفاعات واضحة في بعض المدن الكبرى، ما زاد العبء على الأسر الباحثة عن استقرار سكني. كما ارتفعت تكاليف النقل، سواء عبر زيادة أسعار الوقود أو ارتفاع أجور خدمات النقل الخاصة. كل ذلك دفع بالعديد من العائلات إلى إعادة النظر في نمط استهلاكها وترشيد المصروفات.
من جانب آخر، يطالب خبراء الاقتصاد بتعزيز التنسيق بين السياسات النقدية والمالية، وزيادة الاستثمار في القطاعات الإنتاجية لخفض الاعتماد على الواردات التي تتأثر بتقلبات الأسعار العالمية. ودعا الدكتور جمال التميمي، الخبير الاقتصادي بجامعة الملك سعود، إلى "تبني سياسات استباقية تشمل دعم الزراعة المحلية، تطوير الصناعات التحويلية، وتعزيز البنية التحتية اللوجستية".
على منصات التواصل الاجتماعي، عبّر العديد من المواطنين عن مخاوفهم عبر وسم #غلاء_المعيشة، حيث تناقلوا تجارب شخصية مع ارتفاع الأسعار، مطالبين بزيادة الدعم وتوفير بدائل اقتصادية تضمن لهم مستوى حياة كريمة.
في النهاية، رغم أن دول الخليج تتمتع بقدرات مالية قوية تؤهلها لمواجهة أعباء التضخم، إلا أن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي يتطلب سياسات متوازنة توازن بين دعم النمو واحتواء الأعباء على المواطنين، مع الاستعداد للتعامل مع المتغيرات العالمية التي قد تؤثر مستقبلاً على أسعار السلع والخدمات.