شهدت الأسواق المالية العالمية اليوم اضطراباً واسعاً إثر إعلان البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed) عن رفع مفاجئ وغير متوقع لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس (0.50%)، ليصل سعر الفائدة الرئيسي إلى نطاق 6.00% - 6.25%. جاء هذا القرار، الذي كان يتوقع معظم المحللين ثباته أو رفعاً طفيفاً، مدفوعاً ببيانات التضخم العنيدة وارتفاع إنفاق المستهلكين. وقد أثار القرار قلقاً واسعاً بين المستثمرين والشركات، الذين يواجهون ضغوطاً متزايدة لتمويل عملياتهم وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض.
أدت هذه الخطوة إلى موجة بيع واسعة في أسواق الأسهم وتغيرات حادة في العملات العالمية. ففي وول ستريت (الولايات المتحدة)، أغلق مؤشر S&P 500 منخفضاً بنسبة 2.8%، بينما تراجعت أسهم التكنولوجيا بشكل خاص بنسبة تجاوزت 3.5%، حيث تتأثر هذه الشركات بشدة بارتفاع تكلفة رأس المال.
وأعربت جين أوكونور الرئيس التنفيذي لمؤسسة استثمارية كبرى في نيويورك، عن قلقها قائلة: "التشديد المفاجئ يرسل إشارة مقلقة بأن الفيدرالي يرى التضخم خارج السيطرة. هذا يزيد من مخاطر الركود في 2026." أما في منطقة اليورو، فسجلت قيمة اليورو انخفاضاً طفيفاً مقابل الدولار، لكن البنوك المركزية الأوروبية، بما فيها البنك المركزي الأوروبي (ECB)، باتت تحت ضغط أكبر لاتباع سياسات مشابهة.
وحذر تقرير صادر عن مركز الأبحاث الاقتصادية في فرانكفورت من أن هذا القرار "سيزيد من تكلفة استيراد الطاقة والسلع المقومة بالدولار، مما يغذي التضخم المستورد في أوروبا". وقد تعرضت الأسواق الناشئة لأكبر ضربة، حيث شهدت تدفقات نقدية خارجة كبيرة. انخفضت قيمة العملات المحلية في دول مثل تركيا والبرازيل بشكل ملحوظ، إذ أصبح الاقتراض بالدولار أكثر تكلفة، مما يزيد من أعباء خدمة الديون الخارجية لتلك الدول.
وعزا جيروم باول، رئيس الفيدرالي، في مؤتمر صحفي لاحق، هذا القرار الجريء إلى عاملين رئيسيين، قائلاً: "نحن ملتزمون بإعادة التضخم إلى هدف 2%. البيانات الأخيرة عن تضخم الإيجارات وقوة سوق العمل تظهر أن سياساتنا لم تكن مقيدة بما يكفي حتى الآن." وعلق الدكتور خالد الجارحي، أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة القاهرة، على القرار قائلاً: "هذا هو ما يُعرف بـ 'التعقيم النقدي' العنيف. الفيدرالي يفضل المخاطرة بركود خفيف على السماح بتأصل التوقعات التضخمية.
ردًا على الصدمة، اتخذت عدة دول إجراءات للحماية: فقد أعلن البنك الشعبي الصيني عن حقن سيولة بقيمة 100 مليار يوان في النظام المصرفي لضمان استقرار الإقراض المحلي ودعم نمو المصدرين الذين سيتأثرون بتباطؤ الطلب العالمي.
وعلى الرغم من إبقاء بنك اليابان على سياسته التيسيرية، صدرت تصريحات من وزير المالية تؤكد أن "مراقبة أسعار الصرف أولوية وطنية"، مما يشير إلى تدخل محتمل لدعم الين الذي تراجع إلى أدنى مستوياته منذ عقود.
يرى خبراء الاقتصاد أن هذا القرار يزيد من حدة التحديات القادمة، خاصة فيما يتعلق بزيادة التجزئة الاقتصادية، حيث تضطر البنوك المركزية حول العالم الآن إلى الاختيار بين اتباع الفيدرالي لإنقاذ عملاتها أو المخاطرة بركود محلي أعمق، بالإضافة إلى الخطر الذي يواجه الدول ذات الديون السيادية المقومة بالدولار. ودعت مجموعة من الاقتصاديين إلى ضرورة تعزيز التنسيق الدولي بين البنوك المركزية والابتعاد عن مفاجأة الأسواق بمثل هذه القفزات، مع الدعوة إلى التركيز على الإصلاحات الهيكلية التي تزيد من المعروض العالمي بدلاً من الاعتماد فقط على كبح الطلب عن طريق رفع الفائدة.