ارتفاع الإيجارات في الخليج يُشعل الجدل بين السكان والمستثمرين.




تشهد العديد من مدن الخليج العربي، وعلى رأسها دبي، والرياض، والدوحة، موجة ارتفاعات متسارعة في أسعار الإيجارات السكنية والتجارية، وسط تساؤلات متزايدة من المواطنين والمقيمين حول الأسباب الحقيقية وراء هذه القفزة المفاجئة، ومدى انعكاسها على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، في ظل تعافي اقتصادي نسبي عقب جائحة كورونا، وتزايد تدفقات الأجانب والمستثمرين.

في مدينة دبي، ارتفعت الإيجارات بنسبة تصل إلى 20-30% في بعض المناطق الحيوية خلال عام واحد فقط، وفقًا لتقارير عقارية محلية، مما دفع كثيرًا من السكان إلى الانتقال إلى ضواحي المدينة أو تقليص حجم وحداتهم السكنية. وتقول سارة المصري، وهي صحفية مقيمة في دبي وتغطي قطاع العقارات: "الوضع لم يعد يحتمل، هناك مناطق في دبي أصبحت خارج قدرة العائلات المتوسطة الدخل، حتى أصحاب الرواتب الجيدة بدأوا يشعرون بالضغط".

من جهته، دافع مطورو العقارات عن ارتفاع الأسعار، معتبرين أنها نتيجة طبيعية للطلب المتزايد على السكن بعد عودة الحياة الطبيعية ونمو الاقتصاد السياحي والتجاري. وقال سلطان بِن فهد، مدير شركة تطوير عقاري كبيرة في دبي، في تصريح صحفي: "نحن أمام مرحلة انتعاش غير مسبوقة، والطلب حقيقي، لا فقاعة، خاصة في ظل التوسع في منح الإقامات الذهبية للمستثمرين".

في السعودية، تعيش الرياض وجدة كذلك على وقع زيادة ملحوظة في أسعار الإيجار، بلغت نحو 15% خلال 2024 بحسب مؤشرات الهيئة العامة للعقار، وهو ما أثار استياء بعض المواطنين خاصة من فئة الشباب المقبلين على الزواج أو الباحثين عن الاستقلال السكني. وقال خالد الغامدي، مراسل صحيفة سعودية محلية، إن "المواطن العادي بات يعاني من صعوبة الحصول على سكن ملائم بسعر مناسب، وهناك مطالبات متزايدة من كتاب الرأي والمغردين بتدخل حكومي لضبط السوق".

وفي مؤتمر "مستقبل الإسكان" الذي عُقد في الرياض قبل أشهر، أكد وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد الحقيل أن الوزارة تتابع التطورات عن كثب، وقال: "نعمل على تحفيز المعروض العقاري، ونسعى لخلق توازن بين العرض والطلب من خلال مشاريع الإسكان وبرامج التمويل العقاري المدعومة".

أما في قطر، فالوضع لا يختلف كثيرًا، إذ ارتفعت الإيجارات في بعض المناطق بنسبة تجاوزت 40% منذ نهاية كأس العالم، خاصة مع توجه الشركات الأجنبية لتثبيت وجودها في الدوحة، واستمرار تدفق الموظفين الدوليين. وقال الدكتور ناصر الكواري، خبير الاقتصاد العقاري في جامعة قطر: "السوق العقاري في قطر يمر بمرحلة انتقالية بعد كأس العالم، والزيادة الكبيرة في الإيجارات بدأت تثير قلق المجتمع، خاصة أن الزيادات لا تتماشى مع مستويات الدخول في أغلب القطاعات".

في المقابل، يرى بعض المحللين أن هذه الزيادات قد تكون مؤقتة، أو مرتبطة بعوامل مؤقتة مثل نقص المعروض، أو إعادة هيكلة سوق العقارات بعد الجائحة. ويقول الصحفي الاقتصادي حمد المري من صحيفة "الشرق الأوسط": "الطلب موجود بلا شك، لكنه ليس دائمًا طلبًا حقيقيًا من السكان، بل جزء كبير منه يأتي من المضاربة أو من المستثمرين الأجانب الذين يشترون الشقق كأصول استثمارية لا كسكن فعلي".

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تتصاعد موجة من الانتقادات بين المواطنين الخليجيين، خاصة في السعودية والإمارات، حيث أطلق ناشطون وسوماً مثل #غلاء_الإيجار و#السكن_حق_أساسي، وشارك فيهما آلاف المستخدمين الذين نشروا تجاربهم مع ارتفاع الأسعار وتقلص فرص السكن الميسر.

ورغم هذه الانتقادات، فإن بعض الاقتصاديين يرون في هذه الزيادات مؤشراً على صحة الاقتصاد الخليجي وتعافيه من آثار كورونا. ويقول الدكتور جمال التميمي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود: "ما نشهده في الخليج هو جزء من دورة اقتصادية طبيعية، والتحدي الحقيقي هو إدارة هذه المرحلة دون أن يشعر المواطن بالضغط، من خلال سياسات إسكانية ذكية توازن بين النمو وجاذبية الاستثمار والعدالة الاجتماعية".

في خضم هذه الأوضاع، تبرز الحاجة الملحّة إلى أدوات رقابية وتشريعية أكثر فعالية لضبط أسعار الإيجارات، خاصة في ظل وجود شكاوى من تغييب سقف الزيادات السنوية أو عدم التزام بعض الملاك بالعقود الموقعة. وقد دعت بعض المجالس البلدية في السعودية والإمارات إلى إعادة النظر في القوانين العقارية لضمان حقوق المستأجرين.

ومع تسارع التحول الاقتصادي في دول الخليج، وتزايد السكان وتغير أنماط المعيشة، تبقى قضية الإيجارات واحدة من أكثر الملفات حساسية، لأنها تمس الحياة اليومية للمواطن والمقيم، وتؤثر على القرارات العائلية والعملية والاستثمارية. وبينما تواصل الحكومات تعزيز المعروض العقاري وتشجيع التملك، فإن ضبط السوق وتأمين التوازن بين العرض والطلب يبدو مهمة شاقة، لكنها ضرورية لتحقيق استدامة اقتصادية واجتماعية حقيقية.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال