مستقبل النفط الخليجي في ظل التحولات العالمية وتصريحات المسؤولين



شهد النفط الخليجي مرحلة تحول استراتيجي في خضم المتغيرات الجيوسياسية والتحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة، حيث تواصل دول مجلس التعاون الخليجي لعب دور محوري في أسواق الطاقة العالمية رغم التحديات المتزايدة التي اظهرتها أحدث البيانات الصادرة عن منظمة أوبك إلى أن دول الخليج العربي تنتج حالياً ما يقارب 25% من الإمدادات النفطية العالمية، مع احتياطيات مؤكدة تزيد عن 500 مليار برميل، وهو ما يضع المنطقة في قلب المعادلة الطاقة العالمية.


يقول عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، خلال مؤتمر الطاقة الأخير بأن "دول الخليج ستظل الركيزة الأساسية لأمن الطاقة العالمي لعقود قادمة، لكننا نعمل بشكل متواز على تطوير حلول الطاقة المستدامة".


 وأضاف أن "المملكة وحدها تستثمر حالياً أكثر من 100 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، مع الحفاظ على قدراتنا النفطية التنافسية".


وأضاف سهيل المزروعي، وزير الطاقة الإماراتي، أن "الإمارات تتبع استراتيجية متوازنة تجمع بين تعزيز الإنتاج النفطي والاستثمار في الطاقة النظيفة"، مشيراً إلى أن "القدرة الإنتاجية للدولة ستصل إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول 2027"وأن "مشاريع مثل مجمع التكرير المتكامل في الرويس تمثل نموذجاً للرؤية المستقبلية التي تدمج القيمة المضافة مع الاستدامة".


وقد  أشارت تحليلات صندوق النقد الدولي إلى أن عائدات النفط لا تزال تشكل ما بين 60-85% من إيرادات الميزانيات الخليجية، رغم الجهود الكبيرة في تنويع الاقتصادات.

 وقد سجلت دول المجلس خلال العام 2023 فائضاً مالياً جماعياً بلغ 98 مليار دولار، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط الذي بلغ متوسطه 85 دولاراً للبرميل.

وفي السياق ذاته  قال الدكتور ناصر السعيدي، الخبير الاقتصادي بمركز الخليج للأبحاث، قائلاً: "الاقتصادات الخليجية تدرك جيداً تحدي الاعتماد على النفط، لكنها تتعامل مع هذه المرحلة الانتقالية بحكمة، حيث تستخدم العائدات النفطية لتمويل التحول الاقتصادي". وأضاف أن "مشاريع مثل نيوم السعودية والاستثمارات القطرية في الغاز المسال تمثل نماذج ناجحة لهذا التوجه الاستراتيجي".


من الناحية التكنولوجية، تشهد صناعة النفط الخليجي طفرة في الابتكار، حيث تتبنى الشركات الوطنية تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي في عمليات الاستكشاف والإنتاج، وتقنيات التقاط الكربون، والتحول الرقمي في إدارة العمليات، وقد أعلنت أرامكو السعودية مؤخراً عن خفض تكاليف إنتاج البرميل إلى أقل من 3 دولارات في بعض الحقول، وهو ما يعزز قدرتها التنافسية حتى في ظل تقلبات الأسعار.


وفي تصريح له خلال منتدى الطاقة العالمي، قال أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لأرامكو: "نستثمر بكثافة في تقنيات تقليل الانبعاثات، حيث نسعى لتحقيق الحياد الكربوني في عملياتنا التشغيلية بحلول 2050، مع الحفاظ على دورنا كمزود موثوق للطاقة". وأضاف أن "الطلب العالمي على النفط سيستمر لعقود قادمة، خاصة في قطاعات مثل البتروكيماويات والطيران التي يصعب إزالة الكربون منها".


على الجانب البيئي، تواجه صناعة النفط الخليجية ضغوطاً متزايدة لخفض الانبعاثات، حيث أطلقت دول المجلس عدة مبادرات طموحة في هذا المجال، وتتصدر السعودية هذه الجهود من خلال مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، بينما تستثمر الإمارات بكثافة في الطاقة النووية السلمية والهيدروجين الأخضر.


وفي هذا الصدد، صرحت معالي مريم المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية، بأن "دول الخليج تتحول من منتج للطاقة التقليدية إلى مركز عالمي للطاقة المستدامة"، مشيرة إلى أن "الإمارات وحدها تستهدف استثمار 160 مليار درهم في الطاقة النظيفة خلال العقد القادم".


رغم هذه التحولات، تشير تحليلات وكالة الطاقة الدولية إلى أن النفط الخليجي سيحتفظ بميزته التنافسية لعدة أسباب، أهمها انخفاض تكاليف الإنتاج، وقرب الحقول من الموانئ البحرية، وجودة الخام الخفيف الذي يسهل تكريره، كما أن مشاريع التوسع في قطاع البتروكيماويات توفر فرصاً جديدة لإضافة القيمة، حيث تتجه دول الخليج لتصبح مراكز عالمية لصناعة المواد الكيميائية.


 وتواصل دول المنطقة توازناً دقيقاً بين الحفاظ على مكانتها كأكبر مصدر للطاقة التقليدية، والاستثمار بقوة في مستقبل الطاقة النظيفة وتشير كل المؤشرات إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك الرؤية والموارد والقدرات التقنية لمواكبة هذه التحولات العالمية، مع الحفاظ على دورها المحوري في أسواق الطاقة لعقود قادمة، وإن كان ذلك بوتيرة ونمط مختلف عما كان عليه الحال في الماضي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال